شاركت مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات في فعاليات ملتقى مراكز الفكر العربية الذي انعقد بجامعة الدول العربية على مدار يومَي الأحد والاثنين 23 و24 نوفمبر، تحت عنوان: «دور مراكز الفكر في توظيف الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار الرشيد»، وبمشاركة نخبة من مديري وخبراء مراكز الفكر العربية، لمناقشة التحولات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على المعرفة والسياسات وصناعة القرار.
وافتتح الملتقىَ السيدُ نور الدين الحارثي بكلمة رئيسية أكد فيها أهمية هذه اللحظة التاريخية التي تضع العالم العربي أمام فرصة حقيقية للانتقال من موقع المستهلك إلى موقع الشريك المنتج للمعرفة والمعايير الأخلاقية، مشدّدًا على أنّ مراكز الفكر مطالَبة بتطوير أدواتها ومنهجياتها بما يضمن قرارات أكثر استنارة واتساقًا مع القيم الحضارية والتراثية.
وأوضح الحارثي في كلمته أنّ هذا التحول يستلزم ثلاثة مسارات متكاملة:
- تعزيز الدور الاستراتيجي لمراكز الفكر عبر بناء رأي علمي رصين يتجاوز المقاربات التقليدية نحو فهم أعمق للمقاصد الإنسانية.
- توظيف الذكاء الاصطناعي بوصفه فرصة لتطوير البحث وصنع السياسات، مع ضرورة إنشاء أطرٍ للتقييم الأخلاقي تحكم مخرجاته.
- توجيه التقنية لخدمة القرار المستنير عبر ربط المعرفة بالحكمة العملية ومصالح المجتمعات.
وفي إطار الجلسات العلمية للملتقى، قدّم الباحث مصطفى ثابت ورقة بعنوان «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي كضرورة لتحديث النموذج المعرفي»، مؤكّدًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل تحوّلًا حضاريًّا يفرض أسئلة فلسفية وقانونية ملحّة على العالم العربي. ورأى أنّ بناء إطار أخلاقي مرجعي شرطٌ لتحويل الذكاء الاصطناعي من تهديد إلى فرصة. وتجادل الورقة بأن الأخلاق لا تختزل في خوارزميات جامدة، لأن الحكم الأخلاقي يتطلب وعيًا بالنية والسياق والقصد، وهو ما يجعل إشراك الفلاسفة والفقهاء والقانونيين ضرورة عند عجز التقنية عن معالجة التحيّز والتمييز وخطاب الكراهية.
كما قدّم الباحث أحمد رأفت ورقة بعنوان «النمذجة المعرفية والذكاء الاصطناعي: من الاستهلاك إلى الإبداع» استعرض فيها العلاقة بين الأطر المعرفية والذكاء الاصطناعي بوصفها البنية التحتية التي تشكّل آليات عمله. وبيّن أهمية بناء نماذج معرفية عربية قادرة على الانتقال من تلقي المنتجات التقنية إلى الإسهام في ابتكارها، بما يخدم السياق الذي نعيش فيه، عبر دمج الخبرة التقنية بالتصورات الفلسفية والمعرفية الأصيلة، وبما يدعم استقلالية القرار المعرفي.
واختتمت مؤسسة طابة مشاركتها بالتأكيد على أهمية تحويل مخرجات الملتقى إلى مشاريع تعاون مشتركة بين مراكز الفكر العربية، تشمل تطوير أدوات للتدقيق الأخلاقي للأنظمة الذكية، وبناء مؤشرات تقييم معيارية مستمدة من السياقات الحضارية العربية، وإطلاق نماذج تطبيقية في مجالات حيوية تعود بالنفع المباشر على المجتمعات.

