التجربة المغربية في إعادة الخطاب الديني للمنهج الأصيل

استضافت  مؤسسة التي تُعنى بإعادة صياغة الخطاب الإسلامي المعاصر وتقديم الأبحاث والاستشارات في أبوظبي الأستاذ الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمّدية لعلماء المغرب حيث ألقى محاضرة في خيمة طابة الفكرية عنوانها “التجربة المغربية في إعادة الخطاب الديني للمنهج الأصيل.

وقد أشار في حديثه النافع الماتع إلى أنّ هذه التجربة هي قصة عبور من هندسة فكرية إلى إعادة حالة مضطربة إلى نصابها ونظامها وأصالتها يتجدد فيها خطاب لا ينفصل عن مقاصده وغاياته ومناهجه وبرامجه. وهذه الهندسة سداسية الأبعاد تبدأ بولاية الأمر التي من مهامها أن تكون حاسمة في إحلال السلم؛ ثم المجلس العلمي الأعلى الذي تفرع عنه مجالس علمية عديدة، والمعني بالإرشاد والفتيا: الإرشاد وفق أصول مرعية جرى عليها العمل، والفتيا يقوم عليها المجلس العلمي للإفتاء حصرًا ويرأسه ولي الأمر لضمانة ألا تزيح عن سكّة الأصول المقررة. وتشرف هذه المجالس العلمية على تكوين مستدام للأئمة وتأهيلهم ضمن إطار خطة ميثاق العلماء. وتشرف هذه المجالس أيضًا على الدروس في المساجد حتى لا يصير حبلها على غاربها.

وقد آل الأمر بالمجالس العلمية إلى الإشراف على جميع المعاهد الشرعية، وأنيط بها تجديد القرويين؛ ولها عناية بالنظر في السياق وتضاريسه، فقامت الدراسات السياقية وهي مستمرة، وقد اعتنت بالبعدَين الشرعي والواقعي.

وأنيط بالرابطة المحمّدية لعلماء المغرب مهام جسام عبر 21 وحدة بحثية، منها وحدة لمكافحة التطرّف، ووحدات تعالج سلوكيات منحرفة شتى، وأخرى لبناء القدرات، وإعداد جيل متجانس من المثقفين والعلماء وفق دلائل تكوينية. ومن ذلك أيضًا وحدة “باللوح والقلم” التي تعتني بالأطفال وتجمع أبناء الأمراء بأبناء الملاجئ على بساط واحد. وقد أفادت هذه الوحدة ببرامجها المدروسة كثيرًا، فلديها 35,000 مقالة كتبها أطفال لأطفال. وفي ذلك حماية للنشء والأجيال من أن يجتالهم أهل الزيغ والضلال والأفكار المريضة والتطرّف.

وشدّد الدكتور عبادي على ضرورة تفكيك الشعارات والدعاوي الكبيرة التي تجذب بها داعش الشباب وبيان ضلالاتهم وقبح انحرافهم وأنّهم وفق التعبير النبوي مارقون من الدين؛ وذلك بالنظر إلى المقاصد الشرعية الكبرى وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، التي يقفون منها موقف المنتهك والمتعدّي والجاني.

وذكر المحاضر أن المملكة المغربية تبذل الوسع في رعاية هذه المقاصد العالية بتفعيل وظيفة الدولة ومهامّها بضمان أمن الناس ورعاية سلامتهم والنهوض بكافة أحوالهم وشؤونهم.

وقد تفاعل الحضور بمداخلات واستفسارات قيمّة تركّزت على الإفادة بسبل الاستفادة من التجربة المغربية ودور المجتمع بكافة مستوياته في التصدّي للتطرّف ودور العلماء بالتصدّي الفكري المركّز لأطروحاته، ورعاية شباب الأمة من الانزلاق في كمائن أهل الزيغ والضلال والغلو، بإبراز البناء الأصيل للدين ومقاصده الذي تأسس منذ عهد النبوة على الرحمة والجمال وتنمية الطاقات واستثمارها في الخير والعطاء والعلم والنماء.

وقد كان من بين الحاضرين علماء ومستشارون وسفراء ودبلوماسيون وباحثون وإعلاميون، منهم فضيلة السيد علي الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة للشؤون الدينية والقضائية، مستشار الشؤون الدينية لرئيس جمهورية الشيشان آدم شهيدوف، وفضيلة الشيخ أسامة الأزهري مستشار الشؤون الدينية لرئيس جمهورية مصر العربية، وخطيب جامع القرويين د. إدريس الفهري، ود. أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ووفد رفيع المستوى من المجمع الصوفي العام بالسودان، وعدد من أصحاب السعادة السفراء ونوابهم منهم سعادة سفير المغرب محمد آيت وعلي، وسفير تونس حاتم الصائم، وسفير ليبيا د. عارف نايض، وسفير جزر القمر سيد عبدالله باعلوي، وعدد من منسوبي مراكز الأبحاث والدراسات في الدولة، ومن ضمن المداخلات في اللقاء تعقيبان لكل من د. منى البحر عضو المجلس الوطني السابق، ود. حصة لوتاة أستاذ الإعلام بجامعة الإمارات.

مواقف جيل شباب الألفية المسلم من الدين وعلمائه

الحبيب علي الجفري:
من أهمّ أهداف طابة إعادة تأهيل الخطاب الإسلامي المعاصر من أجل الاستيعاب الإنساني.
نرحب بالمؤسسات البحثية والدينية في الدولة للتعاون فيما يمكن عمله في ضوء نتائج الاستبانة.
ما بعد الاستبانة: إكمال المشروع ليشمل بلدانًا عربية وإسلامية أخرى، وعقد ورش عمل للنظر في خطوات عملية.

جيمس زغبي:
من أسباب العنف والتطرّف تهميش الشباب ودورهم في المجتمع.
لا بد من الحديث مع الشباب بدل الحديث عنهم بلغة تنسجم مع تحديات الواقع الذي يعيشون فيه.
يتوقع الشباب من علماء الدين الكثير، ولا ينشدون إصلاحًا في الدين ولكن في لغة الخطاب الديني.
عباس يونس:
تؤيد النتائج ما كان يشعر به كثير من العلماء والدعاة من أننا على وشك تحوّل كبير في المشهد الديني عند جيل الشباب.
لا يمكن تصنيف جيل الشباب اليوم تصنيفًا واحدًا كما كان الحال في الأجيال السابقة.
هذا الجيل يهتم بأكثر جوانب الدين أهمية وعمقًا، وهو جيل يتفاعل مع محيطه ولا يهاب من التعبير عن الخلل الذي يشهده في الخطاب الديني.

أطلقت أمس مبادرة الدراسات المستقبلية في مؤسسة طابة نتائج استطلاع حول مواقف الشباب العربي المسلم من الإسلام وعلمائه؛ وهو استطلاع يعدّ الأول من نوعه نفّذته مؤسسة طابة بالتعاون مع مؤسسة زغبي للخدمات البحثية في ثمانية بلدان عربية هي الأردن والإمارات والبحرين والسعودية وفلسطين والكويت ومصر والمغرب، حيث قابلت وجهًا لوجه 5,374 شابًا وشابّة أعمارهم بين 15-34.

حضر الندوة عدد من السفراء والدبلوماسيين العرب من الدول التي شملها الاستطلاع ومن دول أخرى مهتمة بشؤون الإسلام والمسلمين، وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين والمسؤولين في المؤسسات المجتمعية في الإمارات إلى جانب علماء ودعاة وجمع من الشباب.

استعرض الدكتور جيمس زغبي مدير مؤسسة زغبي للخدمات البحثية أبرز نتائج الاستطلاع. ومن ذلك أنّ الإمارات ومصر والمغرب من أكثر الدول رفضًا لحركات كداعش والقاعدة،؛ وأنّ الشباب، لا سيما في السعودية ومصر والكويت، يتوقّعون دورًا مهمًّا للدين في بناء مستقبل المنطقة؛ وأنّ الدين عنصر بارز في هويتهم ويريدون أن يُعرَفوا به؛ وأنّ كثيرًا منهم يجد تحدّيًّا في الحفاظ على هويته الدينية في المجتمع؛ وأنّهم يرون أهم جوانب الدين العيش وفق الأخلاق والآداب الإسلامية ثم القضايا السياسية التي تواجه المجتمعات المسلمة؛ وأنّهم يرون دورًا للدولة في التدخّل في الحياة الدينية لا سيما في ضبط الخطاب الإسلامي وضمان خلوّه من التحريض على العنف والكراهية؛ ويرون أنّ مجتمعاتهم تفتقر إلى عالمات وداعيات في النطاق العام؛ وأنّ الحركات المتطرفة كداعش والقاعدة انحراف كامل عن دين الإسلام.

ثم تحدثت الدكتورة حصة لوتاه عن أهمية دور الإعلام في توجيه الاستطلاعات والاستبانات، وأنه الوسيلة للوصول إلى الشباب بإبراز العلماء وكسر حواجز التواصل بين الأجيال وخلق تفاهم عام بينهم. وذكرت أن الدين في الماضي كان حاضرًا بقوة في سلوك الناس وكذلك في التعايش مع الآخر، أكثر من كونه مظهرًا خارجيًّا.

وأضاف عباس يونس مسؤول مبادرة الدراسات المستقبلية في مؤسسة طابة، أنّ الشباب يثقون في المفتين والعلماء المؤهلين باعتبارهم أصحاب الحق في بيان أمور الدين ولكنّهم لا يذهبون بالضرورة إلى مراكز الفتوى حيث يتواجد العلماء حينما تكون لديهم أسئلة عن الدين؛ وهم يرون دورًا بارزًا للدين وفي الوقت نفسه لا يهتمون بطلب العلم الشرعي. وهذه شؤون تحتاج إلى دراسة ونظر للوقوف على تشخيص صحيح لأسبابها.

وختم الندوة الحبيب علي الجفري بتأكيده أهمية التعاون والمضي قدمًا بخطوات عملية في سبيل الاقتراب أكثر من الشباب وفهمه وإدراك ما يعانيه في هذا الزمن الحائر كي يسهل على الدعاة الأخذ بأيديهم إلى برّ الأمان فلا تتخطّفهم تجاذبات التطرّفين الديني أو اللاديني. ولفت النظر إلى خطورة أن يوجد 1% من الشباب يؤيّدون جماعات متطرّفة كداعش، وأنّ هذا يحتاج إلى عمل وجهد لمعالجته. وأشار إلى أهمية أن يكون العلماء والمسؤولين واعين لما ينبغي أن تكون عليه هوية الشباب في المستقبل. وقال إنّ هذه الدراسة هي بداية، وأنّ النية التوسع للقيام بمزيد من الاستطلاعات في بلدان أخرى، مع أهمية إقامة ورش عمل لتدعيم العمل على النتائج. ودعا إلى التعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات الدينية والمثقفين من أجل تفهم واقع الشباب، لأنّ “الحكم على الشيء فرع عن تصوّره”، وأنّه لا بد من العناية بالخطاب والمخاطِب والمخاطَب. وفي الختام شكر دولة الإمارات العربية المتحدة إذ تخطط وتعمل ضمن رؤية مستقبلية استراتيجية لعام 2030، في الوقت الذي لا تزال بعض الدول تناقش ملفات من خمسين عام مضت.

يمكن الاطّلاع على الدراسة عبر الموقع الالكتروني باللغتينhttp://mmasurvey.tabahfoundation.org

دروس من شرق آسيا؛ هل ينبغي أن ينعطف العالم العربي إلى الشرق؟

استقبلت مؤسسة طابة هذا الأسبوع الدكتور شاوجِن تشاي، باحث أول في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات ومحاضر سابق في جامعة زايد وجامعة الشارقة الأمريكية، لإلقاء محاضرتين حول نماذج ثقافية محلية من شرق آسيا وما واجهته دولها من تحديات في الحفاظ على الهويات الثقافية والقيم المحلية خلال عملية التحديث والتنمية.

فقد مرت الصين خلال القرن العشرين بتجربتي الثورة الشيوعية والثورة الثقافية اللتين أرادتا إحلال أفكار حديثة محل مظاهر “الثقافة القديمة” بما فيها النطاق العملي للكونفوشيوسية. وبعد محو هذه المظاهر الروحية للعالم القديم تصدّر المشهدَ تنازع قوى الشيوعية والقومية والرأسمالية والفردانية؛ إذ اعتقد كثير من الثوريين الصينيين أنه لا سبيل لتحقيق الحداثة إلا بالتخلّص من المفاهيم الروحية القديمة.

غير أنّ الدكتور شاوجِن تشاي يرى أنه قد حصل إحياء للقيم الكونفوشيوسية التراثية في شرق آسيا على الرغم من المساعي الرامية إلى إزالة الفكر الديني المحلي. ففي اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ازدهر الاقتصاد والقيم التراثية مندمجة بعالَم الأعمال. وكوريا الجنوبية صارت على الرغم من التأثيرات الغربية قوة اقتصادية متنوّعة مع رغبتها الواضحة في الحفاظ على القيم التراثية والروابط العائلية التقليدية.

ومع أنّ الصين قد قُمِع كثير من تراثها الديني إلا أنّه بدأ يشهد انبعاثًا من جديد. فقد سُمح في الريف الصيني بحكم ذاتي محلي، وهو ما يتباين بشدّة مع مبادئ الحكم في الأيديولوجية الرسمية للدولة. وقد أظهرت مؤخرًا دراسات حول تأثير القيم التراثية انحسارَ الفساد في القرى التي تحافظ على القيم الدينية، وأنّ سكان المدن صاروا يميلون أكثر إلى الدين والروحانية.

وقد ذكر الدكتور شاوجِن تشاي أنّ شعب الصين لا يزال يحنّ إلى المعاني الروحية على الرغم من سعي نماذج العلمانية الغربية لملء الفراغ الروحي بالرفاهية المادية.

وفي ختام محاضرته اقترح الدكتور شاوجِن تشاي استقصاء أنماط شرق آسيوية للتنمية حيث إحياء التراث والحفاظ عليه محل تقدير، فقد يكون في ذلك نموذج بديل للعالم العربي وهو يناضل لمقاومة الانجراف الثقافي وسط ضغوط أنماط التنمية الغربية.

“فإن أي أمّة تصبو إلى التقدّم عليها أولاً أن تفهم ثقافتها الخاصة”. وبما أنّ نماذج التنمية في أي سياق غير كاملة فيمكن أن يستخدم العالم العربي نموذج الشرق ليكون متنبّهًا للتنمية الذاتية. وإنّه يجب الحفاظ على الهوية مع التقدّم، سواء كانت في اللغة أو الدين.

جاءت هذه المحاضرة باعتبارها جزءًا من مبادرة الدراسات المستقبلية في مؤسسة طابة.

ندوة للشيخ ناجي العربي بخيمة طابة الفكرية

استضافت خيمة طابة الفكرية في مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات بمقرها في أبوظبي محاضرة ألقاها الشيخ د.ناجي العربي أستاذ الفقه والحديث في جامعة البحرين، تناولت المحاضرة دور المنهج الأزهري لإعادة بناء المجتمعات بعد الفتن، وأن الأفكار المتطرفة مدعومة من أعداء الإسلام، الذين استمالوا الناس بالمال والشهرة، كما اجتذبوا الشباب والناشئة، إلى التجرؤ على شرع الله، والتشكيك في علماء الأمة، بحيث انقلبت الثقافة ليصبح المعيار في الجودة هو المخالفة للدولة، والمخالف لها شجاع! وأصبح العالم الشجاع هو الذي يستطيع أن يهاجم، وليس غيرة على شريعة الله، وأصبح الشرع يستخدم على نحو مسيء، وبينت أن الأزهر قادر على مواجهة تلك الأفكار، ويحتاج إلى دعم المؤسسات العلمية في عالمنا الإسلامي، والعربي، مؤكدين أن الأزهر وحده هو من تصدى للمواجهة، وقاد المعركة ضد التكفيريين.

وأكد فضيلة الدكتور ناجي بن حسن العربي، الأستاذ المساعد بجامعة البحرين، أن الأمة تمر بمراحل عصيبة، خاصة مع فريق يتلاعب في الدين باسم الدين، لافتاً إلى أن من ادعى الإصلاح علناً هم المنافقون.

وقال، إن الأزهر ومؤسسات العلم وحواضره يمثلون صمام الأمان للمنهج والفكر على قاعدة لا إفراط ولا تفريط، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لافتاً إلى أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت نزول الأزهر إلى الشارع، وألقى بثقله في المعترك، مؤكداً أن الأزهر في قلب الحدث ولا يمكن لأحد أن يختط خطاً إلا وقطعه الأزهر عليه، وهو ما وفق له الإمام الأكبر الذي دفع بالأزهر إلى صدر المواجهة، ضد كل التيارات التي تصطدم بثوابت الدين، وهي خطوة مباركة للأزهر تجاوز بها بقية المؤسسات الدينية.

ولفت إلى أن الأزهر تحمل الموقف وحده، في حين أن هناك مدارس لم تقم بأي دور، وقال إن الأزهر ينظر إلى ما يحدث بأنه فتنة هو مسؤول عن إطفاء نارها، وفي السابق لم يتحمس الأزهر لهذه الأمور، مشيراً إلى أن الأزهر وضع تصور يؤكد دور الأزهر للتأصيل والتصحيح للفترة الذي نشهدها بعد تلاشي ما يحدث في المنطقة، وصياغة أسس علمية متينة ومشوقة للمراحل الابتدائية، وبقية المراحل الدراسية.

وفيما يتعلق بقدرة الأزهر على مواجهة تلك الأفكار لوحده، قال إنه قادر بإذن الله وأكثر من ذلك، أما عن كيفية اجتذابهم للشباب، فإن البناء الصحيح يحتاج إلى نظم غير عشوائية، وجهد، أما من يشيد بناءه على قاعدة هشه فإنه سيتهاوى، وهذا هو الفرق بين الأزهر بعلومه، وثوابته، وبين الأفكار المتطرفة.

وأكد الحبيب الجفري رئيس مؤسسة «طابة»، أن مواجهة التطرف أصبحت قاسماً مشتركاً بين أهل العلم وأولياء الأمر في الدول العربية والإسلامية، وأن أولياء الأمر مهمتهم الأمان والنماء في بلدانهم، لافتاً إلى أن العلماء مهمتهم حفظ أديان الناس وتهيئتهم لعمارة الأرض، والتحقق بالعبودية لله وتحقيق معنى الخلافة الراقي الذي ﻻ ينحصر في الحكم، أي حمل الأمانة في هذه الأرض.

 

*  الخبر بتصرف من صحيفة الاتحاد
* الخبر على موقع هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية

كيف تختطف الجماعات المتطرّفة الشباب؟

انعقدت ندوة رمضانية في خيمة طابة الفكرية بمقر مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات في أبوظبي، حيث ألقى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الحبيب علي زين العابدين الجفري محاضرة بعنوان “كيف تختطف الجماعات المتطرّفة الشباب”؟

بيّن الحبيب علي في حديثه المداخل النفسية والفكرية والشرعية التي يتسلل أصحاب الفكر المتطرف منها إلى الشباب لاستقطابهم، مستغلّين مواطن ضعف ألمـّت بالأمة وشبابها، لا سيما الأمّية الدينية، وظروفًا مواتية لبثّ دعاويهم البرّاقة. وما يجب على المجتمع بشتى مستوياته وفئاته لمواجهة هذا الفكر وهذه النفسية. وقد تناول هذا الموضوع الشائك عبر محاور خمسة:

1. الأمة: إذ تعاني من مواطن ضعف منهكة محبطة يندرج تحتها خمسة عناصر أساسية هي:
‌أ. الاحتلال والشعور بافتقاد الكرامة
‌ب. وجود أنظمة ظالمة فاسدة مضطهدة
‌ج. التخلّف العلمي والاجتماعي والثقافي واستهلاك الفكر بدلاً من المشاركة في إنتاجه
‌د. الحالة الاقتصادية المتردية والفقر
‌ه. الفرقة والشقاق.

فهذه العناصر انعكست على نفسية شباب الأمّة فصارت في كثير من الأحيان نفسية متبرّمة ذات قابلية للانفلات من الضوابط ومشحونة بالبغضاء للمخالف وعدم قبول التنوّع، وذلك من جرّاء شعور الشباب بالضعف والعجز عن استرداد المقدّسات ونقص الكرامة والتبعية والإحساس بالهزيمة أمام الهيمنة الأمريكية والغربية مع ما أثقل كاهلهم من ألوان الفقر والاستبداد والقمع. وهذه العوامل عمل المتطرّفون على استغلالها أيما استغلال إذ سوّغوا للشباب الخروج على الحكام لتغيير الواقع المتأزّم واستعادة الكرامة والحقوق.

2. الدولة والمجتمع: وفيهما مظاهر سلبية تتضمّن عناصر خمسة هي:
‌أ. افتقاد الرؤية الناضجة لمستقبل الهوية الدينية عند الشباب
‌ب. النظرة إلى الخطاب الديني بأنّه مشكلة وليس حلًّا
‌ج. إقحام الخطاب الشرعي في لعبة التوازنات السياسية
‌د. التفكك الأسري وإهمال الأبناء مع العجز عن التعامل مع اقتحام العولمة لخصوصيات المجتمعات
‌ه. ضعف التعليم.

فإنّ تديّن الشباب في الغالب لم يُبنَ على أساس واعٍ متّزن من الفهم السليم للدين الذي كان مرتبطًا بالأخلاق والتعامل الراقي والرحمة؛ فصار منبتًّا عن منابع رفده الصحيح وتحوّل إلى مشاعر مختلطة من ردّات الفعل والشدّة والرعونة إذ غدت هوية التديّن غير واضحة المعالم، لا سيما في ظلّ إهمال الأبناء في توريث الأخلاق الراقية وحسن النظر والفضائل والقيم المستمدّة من نبيّ الأمّة ﷺ. واستُغلت هذه الحالة المتخبّطة في الاستقطاب السياسي وتأجيج المشاعر.
واقتحمت العولمة خصوصيات المجتمع المسلم وأثّرت على الأطفال والشباب بما أتاحت لهم من مواد ووسائل ذات تأثير سلبي على سلامة الفطرة والنظرة. ولم يتحصن الشباب بتعليم بنّاء متين منسجم مع الأصالة والمعاصرة ولم يتمكّن من أدوات تعليم قوية ناهضة.

كلّ هذا جعل الشباب عرضة للانجذاب إلى دعاوى المتطرّفين من حيث فراغ جعبتهم من الموروث الديني السليم ومن ثمّ افتقادهم لحسن الاستبصار.

3. الشباب: فهو يتقلّب في أحوال سلبية من عناصر خمسة هي:
‌أ. الأمّيّة الدينية
‌ب. أزمة الهوية
‌ج. ثقافة العصر في استعجال النتائج
‌د. الارتباك حيال الأصوات الصاخبة لخطاب التطرّف الديني واللاديني
‌ه. العجز عن التعامل مع الانفتاح وانتشار “ثقافة الحرية”.

يعاني الشباب من أمّيّة دينية تجعلهم عرضةً لفهم سقيم للدين وأهله، فلم يعد يتلقى الأطفال كما في الماضي نصيبًا وافيًا من تعلّم القرآن والأخلاق والهدي النبوي الشريف. وحتى في المدارس لم تعد المناهج الدينية تفي بمدّ الطلاب بالمعلومات الأساسية الدينية الشاملة. فقد عمدت بعض الدول بعد أحداث 11/9 إلى حذف مقرّرات مهمّة من مادّة الدين ومنها الجهاد، فصار الشباب غير مدركين لأحكام الجهاد، مما حدا بكثير منهم إلى سهولة الانسياق دون بصيرة إلى دعوات الجهاد التي يبثّها الغالون المتطرّفون، وصاروا متقبّلين للمسوّغات المضللة التي يروّجها أولئك. هذا إلى جانب ما يعيشه كثير من الشباب من أزمة هوّية سببها عدم التوفيق بين معطيات الحداثة والهوّية الدينية أسلمتهم إلى صراع ربما يحملهم على قابلية الاختطاف من قبل التنظيمات المتطرّفة؛ لا سيما وثقافة العصر المتسمة باستعجال النتائج والتغيير تميل بكثير منهم إلى التمرّد وثقافة البتر على حساب المعالجة والإصلاح.

والأصوات المرتفعة لخطاب التطرّف الديني واللاديني يحيّرهم ويزجّ منهم في أتون أحدهما، إذ التطرّف الديني يكرّ على مخالفيه بطريقة الخوارج الإقصائية، والتطرّف اللاديني يقفز من نقد الممارسة الدينية والفكر إلى النيل من المقدّسات والحطّ من قدرها.

وعامل آخر هو العجز عن التعامل مع ثقافة الانفتاح الوافدة مع ما فيها من أحمال دخيلة وما جاء معها من مفهوم غريب للحرية. فهذا خلق صدامًا قويًا عند فريق من الشباب وتقبلاً بلا مراجعة عند فريق آخر، وكلُّ ذلك لغياب النظرة الكونية السليمة الصحيحة، وهي النظرة التي تعتبر حقيقة الحرية بدايةً التحرّر من أسر الشهوات ورغبات الأنا. فهذا العجز أفضى إلى تعصّب مفرط أو غفلة مفرطة فتحت المجال للتمرّد على القيم باسم الحرية.

4. الخطاب الشرعي: ففي كثير من الأحيان يعاني الخطاب الشرعي من ضعف وتأخّر في خمسة عناصر هي:
‌أ. التجديد في المحتوى واللغة
‌ب. معرفة أسئلة العصر التي تشغل بال الشباب
‌ج. مجاراة مؤسسات الخطاب الشرعي لإمكانيات المتطرّفين المالية والمؤسسية والإعلامية
‌د. قدرات العمل الشرعي المجرّد بالمقارنة مع قدرات العمل السرّي المنظّم
‌ه. منتجات مؤسسات التعليم الشرعي.
فالشباب الأمّي في دينه يشعر بحواجز بينه وبين مفردات الخطاب الشرعي، بينما خطاب المتطرّفين سطحي بسيط مادته آية أو حديث مع تأويل فاسد. وكثير من الشباب لديه أسئلة متعلّقة بهذا العصر لم يوفّق في كثير من الأحيان الخطاب الشرعي في وضع إجابات عنها، هذا بالإضافة لضعف إمكانياته المالية والتقنية وقدراته مقابل ما لدى العمل السرّي المنظم من قدرات وإمكانيات.

5. التنظيمات المتطرّفة: ولها عناصر خمسة تتحرّك بها:
‌أ. استغلال الأوضاع التي تعاني منها المحاور الأربعة التي سبق ذكرها
‌ب. منطلقاتها السبعة: الحاكمية والجاهلية والولاء والبراء والفرقة الناجية والاستعلاء وحتمية الصدام والخلافة والتمكين
‌ج. غرس العقلية التصادمية الأحادية وتوظيف الفتنة الطائفية
‌د. افتعال الصراعات والزج بالشباب فيها ثم ابتزازهم بالمظلومية
‌ه. حيازة إمكانيات إعلامية واحترافية في وسائل التواصل الاجتماعي.
فالتنظيمات المتطرّفة تستغل عند الشباب الأمية الدينية والنفسية المحبطة والحالة الاقتصادية والفقر وجور بعض الأنظمة وصراع الهوية والظروف المؤدية إلى ضعف تأثير الخطاب الشرعي المعتبر. وتنطلق في حركتها من تكفير الحاكم على أنّه لم يحكم بما أمر الله، تحريفًا منها للمعنى المعتمد عند أهل السنّة للآية التي يستشهدون بها في ذلك. ويعدّون المجتمع الذي رضي بهذا الحاكم مجتمعًا جاهليًّا يلزم البراء منه، والولاء لأمثالهم، بتكفير مخالفيهم واعتبار أنفسهم الفرقة الناجية دون غيرهم، مما تسبب في استحلال سفك الدماء. وقد حرّفوا معنى قول الله تعالى: “وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” بمفهومٍ للاستعلاء يزدرون به غيرهم. ويرون، والحالة هذه، حتمية الصدام إذ لا يستقيم دين أحدهم إلا إذا اصطدم مع المجتمع برؤية تكفيرية إقصائية له؛ بعد ذلك يتحقق لهم التمكين والخلافة.

وفي سبيل الوصول لأغراضهم يقومون بالتعبئة التصادمية وافتعال الصراعات وتوظيف الفتنة الطائفية وصناعة المظلومية بالكذب والتهويل، وذلك بما يمتلكون من إمكانيات إعلامية واحترافية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الشباب.

وفي ختام الندوة أكّد الحبيب علي ضرورة علاج الأمّيّة الدينية ومحوها عند الشباب عبر المدرسة والمسجد والإعلام والأسرة والمجتمع، إذ الحاجة الماسّة تدعو إلى زيادة جرعة الوعي الديني وتمكين الفهم السليم للدين على يد أربابه من الوصول إلى الشباب؛ وأنّه من الأهمية بمكان القيام بحوار مجتمعي ونقاشات لتبيين الخلل الشرعي والفكري والمنهجي عند المتطرّفين، وإضاءة عقول الشباب بمعرفة السبل الصحيحة لأخذ الدين من أهله المعتبرين بالمناهج الموروثة كابرًا عن كابر.

وفي نهاية اللقاء دعا الحبيب علي للشيخ زايد بن سلطان بالرحمة والمغفرة، إذ كانت وفاته في مثل هذه الأيام في رمضان، وذكر أياديه البيضاء وآثاره الحميدة لا سيما في خدمة القضية الفلسطينية، فهو القائل: “ليس البترول العربي بأغلى من الدم العربي”، إذ أقام مشاريع إسكانية وخيرية عديدة في القدس وعموم فلسطين. وذكر أنّ ما يعرفه أهل الإمارات ومن عاشوا فيها من الذين يدركون لماذا يُذكر دائمًا، رحمه الله، بالثناء الحسن، فقد أعطى الإنسان، المسلم وغيره، وبنى وشيّد وامتدت أريحيته في شتى البقاع، طيّب الله ثراه ورفع درجاته في الجنّة.

 

التسامح والتعايش في القرن الحادي والعشرين من أبوظبي

في أمسية حافلة بحضور متنوع الفئات وافر العدد، وبرعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، نظمتها مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات بالتعاون مع سفارة كندا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استضافت د. جون مورو وهو باحث كندي يعمل محاضرًا في جامعة آيفي تك بأمريكا وهو رئيس منظمة المعاهدات، باعتباره المتحدث الرئيس في الأمسية التي عقدت مساء الثلاثاء العاشر من شهر مارس في مسرح فندق انتركونتيننتال أبوظبي. وكان من أبرز الحضور فضيلة الشيخ د. أحمد الكبيسي و فضيلة الشيخ د. أحمد عبد العزيز الحداد و سعادة عارف لالاني سفير كندا في أبوظبي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة الحبيب علي زين العابدين الجفري وعدد من الدبلوماسيين والأعيان في المجتمع.

افتتحت الأمسية بجولة في معرض ضمّ عددًا من صور الوثائق والمخطوطات التي وجدها د. جون مورو في بحثه. وقد تحدث ضيف الأمسية د. جون مورو في كلمته عن معاهدات الرسول عليه الصلاة والسلام مع أهل الكتاب منذ صدر الإسلام وذكر أنّها ظلت مرعية في عهد الخلافة الراشدة، ثمّ الأموية فالعباسية، وكذلك من جاء بعدهم من الدول انتهاء بالخلافة العثمانية، مشيرا إلى أن تلك المعاهدات مثلما وجد عدد منها في المصادر الإسلامية فإنه قد وجد أعداد أخرى منها في مصادر مسيحية بالعربية ومترجمة إلى لغات كاللاتينية والإغريقية والآشورية والفارسية. وأشار د. جون مورو أيضًا في كلمته إلى أن معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران وفارس والنصارى الآشوريين والأرثوذكس وأقباط مصر ونصارى الحبشة تؤكد جميعها قيم التسامح والمساواة والتعايش السلمي بين الجميع في خطوة متقدمة لحقبة زمنية لا تقبل التعدد.

ثم عقب رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة الحبيب علي الجفري على كلمة مورو ومما جاء فيها: إننا اليوم أمام منعطف تاريخي غير مسبوق في تاريخ المسلمين حيث إن هناك من ينسب ما يحدث من الجرائم والتصرفات الشاذة إلى كتاب الله وسنه النبي صلي الله عليه وسلم، وهذا أمر محرم ولا يجوز، و لا يوجد ما يسمى بالإسلام المعتدل لأنه ليس هناك إسلام متطرف، بل هناك مسلمون معتدلون ومسلمون متطرفون، ثم تحدث فضيلة الشيخ أحمد الكبيسي وسعادة عارف لالاني سفير كندا في الإمارات العربية المتحدة. هذا وقد تفاعل مع الحدث مغردون عبر شبكات التواصل الاجتماعي في موقع تويتر من خلال وسم الفعالية “هاشتاغ” #المعاهدات_النبوية للمتحدثين باللغة العربية وهاشتاغ #CovenantsUAE باللغة الإنجليزية.

كما أقامت مؤسسة طابة عددًا من اللقاءات النقاشية المتخصصة التي هدفت إلى فسح المجال للحاضرين من ذوي الاختصاص لمناقشة المادة المطروحة على نمط الطاولات المستديرة مع ضيفها د. جون مورو حول ذات الموضوع، فعقدت طاولة مستديرة للسادة العلماء وطلبة العلم الشريف، وأخرى للدبلوماسيين من الدول العربية، وطاولة مستديرة للدبلوماسيين من غير الناطقين بالعربية، وأيضا لقاء للأكاديميين والمثقفين العرب، وشملت الأنشطة لقاءين تلفازيين: مساء يوم الأربعاء على قناة سكاي نيوز عربية ضم د. جون مورو والحبيب علي الجفري، ولقاء على قناة العربية استضاف د. جون مورو. وقد زار معالي الشيخ نهيان بن مبارك في مجلسه الحبيب علي الجفري ود. جون مورو الذي أهداه نسخة من إحدى صور المعاهدات النبوية.

ومؤسسة طابة حرصت على إقامة هذه الأنشطة والفعاليات المتنوعة انطلاقًا من رسالتها “لإعادة تأهيل الخطاب الإسلامي المعاصر للاستيعاب الإنساني”، ولإيصال رسالة عالمية أن التسامح والتعايش واحترام الأديان والإنسان والمجتمعات غير المسلمة في المنطقة هي دعوة أصيلة بدأت منذ عند النبي ﷺ، وأن ما نراه اليوم من قتل وذبح للمسلمين وغير المسلمين باسم الاسلام إنما هو تحريف لما قاله النبي ﷺ وأمر به وانحراف عنه.

روابط متعلقة

فيديو الإعلان عن المحاضرة

– خبر صحفي: خارطة طريق من أبوظبي لـ«التسامح والتعايش» – جريدة الاتحاد

– خبر صحفي: الجفري يـــوصي بتكــوين جبهة موحدة لتفكيـك الفكـــــر الظلامي– جريدة الرؤية

– خبر صحفي: العودة إلى جذور الإسلام ضرورة لتقدم الأمة – البيان

– خبر صحفي: Lecture in Abu Dhabi stresses awareness about true Islam– The National

– خبر صحفي: Islam is not against other religions, says scholar – Khaleej Times

فيديو مقابلة سكاي نيوز العربية

– نص مقابلة قناة سكاي نيوز العربية

فيديو لقاء قناة العربية

ندوة عقلانية الموروث الإسلامي في سياق الفكر المعاصر

 عقدت مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، التي تُعنى بإعادة صياغة الخطاب الإسلامي المعاصر وتقديم الأبحاث والاستشارات وتتخذ من أبوظبي مقراً لها، ندوة فكرية تحمل اسم: ”عقلانية الموروث الإسلامي في سياق الفكر المعاصر“، وذلك بالتزامن مع الاجتماعات نصف السنوية للجنة العلمية للمؤسسة، وقد ألقت الندوة الضوء على البحث الذي أصدرته المؤسسة مؤخراً حول فكر ما بعد الحداثة للدكتور كريم اللحام الباحث في مؤسسة طابة ومحامي الهيكل الداخلي البريطاني.

هذا وقد شهدت الندوة حضور بعض أبرز الشخصيات الإسلامية يتقدمها فضيلة مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشيخ الدكتور علي جمعة، والداعية المفكر الحبيب علي الجفري رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة، والدكتور عارف نايض السفير الليبي بالدولة ورئيس مؤسسة كلام، وعدد من أساتذة جامعة زايد ونخبة من الأكاديميين والمهتمين.

افتتح الندوة الحبيب علي الجفري مشيراً إلى أن هناك منعطفاً ثقافياً كبيراً تمر به المنطقة، له مقدماته التي قد تعود إلى ثلاثة أو أربعة قرون مضت، إلا أن هذا المنعطف سريع التحول في هذه المرحلة التي نعيشها مع ما يشبه الغيبوبة فيما يتعلق بالتجديد المنبثق عن الموروث العلمي المتصل من خلال تصور صحيح لمتحولات الواقع الإنساني. وأضاف أن بيت الخطاب الإسلامي اليوم يعيش إشكالية القدرة على استمرارية الاتصال بالسند المتصل روايةً ودرايةً وتزكيةً، وبالتدرج العلمي الذي ألِفَته الأمة بمنهجية مؤصلة مع القدرة على استيعاب تحديات الزمان الذي نعيشه في عصرنا.

أدار الندوة الدكتور أسامة السيد الأزهري المشرف على مكتب رسالة الأزهر، وقد ألقى مؤلف البحث الدكتور كريم اللحام الورقة الأساسية في الندوة والتي كان هدفها التطرق لتبعات الأفكار التي يرتكز عليها الحداثيون في فهمهم للتراث الإسلامي، من خلال تناول مواقفهم الفلسفية الضمنية التي نتجت عنها أحكامهم على الموروث الديني، منتقداً ذاك الصياح المتزايد المبالغ فيه من أجل الدعوة إلى الإصلاح في ظل فقر معرفي وفلسفي في أساسيات الإصلاح الفكرية.
وقد تركزت محاور ورقة المؤلف في النظر في مدى دقة استيعاب هؤلاء الحداثيين للأصول الفلسفية، ومدى دقتهم في تطبيقها على الموروث الإسلامي، وانتقد تقوقع الحداثيين أو ما وراء الحداثيين في كهف إيديولوجي غالبه افتراضات تؤثر على المبادئ الأولى والأصول العقلية، مما أدى إلى إفراز عدد من الحواجز العقلية بين المسلم وتراثه الغني بالمناهج البحثية الرصينة، وخطورة هذا تكمن في اختزال الدين على الشعائر والسياسة من خلال وضع الحواجز المعرفية بين الدين والإنسان، ونبه إلى خطر مرحلة التحول الهائل لترتيب العلوم التي دعا إليها الحداثيون والتي أدت إلى غياب عدد من القواعد في ترتيب تلك العلوم وكيفية بناء المفاهيم والفلسفات على القواعد العلمية. وفي ختام ورقته دعا المؤلف إلى إعادة النظر بشكل شامل في العلاقات البينية للعلوم التقليدية وإعادة استخراج ما كان كامناً في عقل المسلم من خريطة معرفية.

قام بالتعقيب على البحث الشيخ سعيد فودة الباحث في علم الكلام حيث أشاد بالبحث العميق في حقيقته وفي مآلاته وفي مقاصده، وفي محاولته نقض الأسس الفكرية والفلسفية والمعرفية التي اعتمدت عليها تلك المدرسة الفكرية كما أشار فودة إلى أن من سمات الفلسفة المعاصرة أنها صارت تتخذ الإنسان بكليته وليس العقل مرجعاً لفهم العالم، وهذه إحدى أهم صفات فكر ما وراء الحداثة، وهو الفكر الذي نعاني منه حتى الآن وهو إنكار مقولة أن العقل موجود في ذاته، تبعاً لفلسفة نيتشه، الذي اعتبر أن العقل هو أحد أسباب تخلف الإنسانية، حيث لم يعترف فكر ما وراء الحداثة بوجود بدهيات عقلية ووصفوا العقل بالصنم الذي يجب أن يهدم على حد تعبيرهم.

عقب ذلك كانت مداخلات الحضور، بدأها فضيلة الدكتور علي جمعة الذي تطرق إلى تعريفات العقل عند المسلمين، وإلى مربع العقل وهو: الدماغ، والحواس السليمة، والواقع المحسوس، والمعلومات السابقة، والذي يوضح موضوع التكليف ومناطه، وأكد على أهمية المعلومات السابقة ومصدريها وهما الوحي والوجود. والوحي عند العلماء المسلمين هو كتاب الله المسطور وهو القرآن الكريم، والوجود هو كتاب الله المنظور وهو الكون. وبهذا تقرر عند المسلمين أن الوحي هو مصدر من مصادر المعرفة، فالمسلم يأخذ من الكتابين معاً مفترضاً عدم تعارضهما، وأن التعارض إذا حصل فهو تعارض مع فهم النص القرآني وليس مع النص نفسه، وهذا ما جعل العلماء يقسمون نصوص القرآن قطعية الورود إلى قطعية الدلالة وظنية الدلالة، ولذلك فليس الوحي فوق العقل وليس مضاداً له أيضاً، بل هو مصدر من مصادر العقل، وكذلك فالوجود هو مصدر من مصادر العقل، وأن الكون إذا تعارض مع فهم النص فيقدم الكون على الفهم الظني للنص. وأضاف أن المسلمين هم الوحيدون الذين تطرقوا إلى العقل الجمعي الذي يعد مركباً أساسياً في تركيب العقل ولا يمكن الاستغناء عنه.

كانت بعد ذلك مداخلة الدكتور عارف نايض الذي تكلم عن التهافت الذي وقع فيه الحداثيون والذي لا يتعدى كونه أشكالاً جديدة من السفسطة، والمغالطات التي تتعلق بالمنحى القرآني أو حصر الاستدلال بالقرآن الكريم وهي ما سمي بمدرسة القرآنيين، وأن الملاحظ في كتاباتهم وكتابات مدرسة ما بعد الحداثة هو تحليل النص باستخدام آليات معينة من مثل التحليل المعنوي أو السيموطيقية أو الهيرمنيوطيقية أو البنوية ووقوعهم في الخطأ من خلال النظر في علاقات المعاني ببعضها البعض دون الرجوع لمقتضيات الحال من مثل مقتضى الحال التاريخي (أسباب النزول) أو مقتضى الحال التراكمي أو ما يسمى بالعقل الجمعي. وإن نزع النص القرآني من سياقه التاريخي ومن وعاء السنة النبوية وهي المفسرة للقرآن والسند المتصل لهذه السنة وهو الذي يجعل المعارف والمفاهيم تتراكم عبر الأجيال بسند متصل يؤدي إلى الوقوع في هذه المغالطات التي وقعوا بها أثناء تفسيرهم للنص القرآني، وأشار في نهاية مداخلته إلى الحاجة الماسة إلى علم الكلام وربط هذا العلم بالفلسفات المعاصرة.

تبعتها مداخلة الدكتور علي الكنيسي، أستاذ الفلسفة والدراسات الإسلامية بجامعة زايد مشيراً إلى أن الفلاسفة المسلمين وعلى رأسهم الكندي أفاضوا في تناول نظرية العقل، وقد فسروا وشرحوا واستنبطوا بل وصححوا ما ورد عن العقل في الفلسفة اليونانية، بعد ما ترجموا كتب هذه الفلسفة إلى العربية، وقد ضرب لذلك مثالاً ما صححه الكندي على أرسطو في كتابه “في ماهية العقل” من أن العقل له وجهان، عقل فعال وعقل منفعل، بينما صحح الكندي التقسيم الذي وضعه أرسطو من خلال استيعابه العميق لجوهر الدين ذاته، فقال إن العقل يكون على أربعة وجوه: العقل الأول وهو الله، والعقل الموجود في الإنسان وهو سبيل الاتصال بالعقل الأول، والعقل المستفاد، والعقل البائن.

وجدير بالذكر أن هذا البحث يأتي ضمن سلسلة ورقات طابة التي يصدرها مركز أبحاث المؤسسة وكان القصد من وراء هذا البحث سبرُ غور البنية المفهومية التي تقوم عليها كتاباتُ أصحاب الفكر ما بعد الحداثي. ويخلص البحث إلى أنّ كلَّ مفكّر وكاتب إنما هو وريث سلسلةِ أفكارٍ أو نظام فكري يظهر جليًا بالضرورة في كتاباته بوعي منه أو بغير وعي، حيث لا وجود لفكرة يتيمة أو فكرة بلا أصل مفهومي. وهذا يعني أنّ صحةَ أيِّة فكرةٍ أو سلامتَها تعتمد اعتمادًا دقيقًا على أرومة سلالتها. وعلى ذلك فإنّ قيمةَ هذا الفكرِ أو أي فكر آخر حتمًا مرتبطةٌ بقيمة منشأ أفكاره، الذي سعى الباحث بإيجاز لتقفي أثره وتقييمه في هذا البحث

يمكن تحميل نسخة البحث الكاملة هنا

حفل إطلاق إصدار طابة الجديد: ما بعد اندفاع ردة الفعل

 يسعد مؤسسة أن تعلن عن حفل إطلاق آخر إصداراتها بعنوان “ ما بعد اندفاع ردة الفعل” في قاعة فندق شانغريلا بين الجسرين وذلك في تمام الساعة 7:30 مساء يوم الثلاثاء الموافق 3 مايو 2011 .
(ملاحظة: الحضور متاح لحاملي الدعوات فقط)

 كُتب هذا المقال “ما بعد اندفاع ردة الفعل” من أجل نُشطاء المسلمين وعلمائهم المتخوفين من عناوين الصحف، والراغبين في التداخل مع الإعلام الجماهيري – بهدف إحداث اتزان للتغطية الإعلامية التي يغلب عليها السِّمة السلبية – من خلال كتابات إيجابية متعلقة بالإسلام و المسلمين

 ينطلق الحفل بحضور المحاورين:

ناظم بكش
المراسل الإذاعيا لدى مؤسسة البث الكندية CBC و زميل الصحافة الكندية لدى كلية ماسي جامعة تورنتو.

حسن فتاح
رئيس التحرير في جريدة “ذي ناشونال” التي تصدر في الإمارات العربية المتحدة.

الدكتورة حصة لوتاه
الحاصلة على دكتوراه في الفلسفة-اتصال جماهيري من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة  و الأستاذ المساعد بجامعة الإمارات.

روابط متعلفة:

 نص مقال “ما بعد اندفاع ردة الفعل”